الآن يبكى النيل فى هذا الزمان
يبكى زمان البغي وليالي الهوان
النيل يبكى فى ذهول فى ذبول
ويتهامس فى خوف مع الشطآن :
أين ليالى النور , وعصور الأمان ؟
أين الروابى الخضر والطير يعلوا هائما فوق الجنان ؟
أين الزهور بشدوها فى عطرها الرائع الفتان ؟
النيل يهمس فى إنحناء للزمان :
قد كنت نبع العمر والشريان
قد كنت سيف الحق وكل الصدق وسنين الأمان
والآن
ألقوا فى حضن أعماقى
القمامة والتطفل والنتان
أشعلوا النيران فى صدرى وزادوا فى النيران
حرقوا الزهور
ذبحوا الطيور
جعلوا الجمال يفور فى الغليان
النيل يبكى يا زمان الإمتهان
يسأل عن المجد القديم
ومن سبقونا من بنى الإنسان
يسأل عن الوطن الجديد
يسأل عن الطير الجديد
والفجر الجديد
وكل ما قد كان
النيل يرفع راية الهذيان
زمن غريب
بشر عجيب
قهر رهيب
أى زمن نحيا راضيين الخوف والكل جبان !
راضيين القهر والأحزان
النيل يسأل :
كيف القلوب تحجرت وتدهورت ؟
ولما السنين تغيرت ؟
وأصبحت بأغمق الألوان
فالخير ذاب
والدفء ذاب
والحب ذاب
ولم يعد غير خوف وعذاب
وآهات وهموم وحرمان
لما نسينا العهد والميثاق والعنوان
لما نسينا الحب والأشواق والخفقان
لما نسينا يوم كان الخير يأتى وكالطوفان
يوم كانت ترقص الآمال فيه حولنا
نرتع كالأطفال فى أحلامنا
نهزم أى هموم تأتى نحونا
والآن خفنا وبات الخوف شعارنا
والصمت واللعنات والكتمان
أين الليالى والسهر والأمسيات
تعاندنا
تباعدنا
تقيدنا
وأصبحنا نحن السجن والسجان
تغيرنا
تحطمنا
تكسرنا
وقلنا : أننا عدنا تحررنا
وإستعدنا تحررنا
ولا نعرف بأننا عدنا
لنفس الهم والأشجان
النيل يبكى قائلا ومسائلا :
أين الورود والطيور والبستان ؟
أين الربيع والبواخر والقلوع والأوتار والألحان ؟
والله ما هذا زمان
كان الزمان الآمن الفتان .. كان زمان
كانت الربيع العائد الأحلام .. كان زمان
أما الآن
يا للآن
يا للدمعة والأحزان
أنا لم أعد أعرف الطهر يا إنسان
قد صرت مرتع للنفايا والبغايا والهوان
قد صرت كالكهل العجوز ولم أعد
كالمارد العملاق فى الأزمان
قد صرت كالطفل الصغير
ولا أعرف لى بيتا أو سكنا أو وطنا أو عنوان
قد صرت كالمجنون لا أدرى
بأى أرض وزمن وبشر أحيا
أضحوكه , أكذوبه , ألعوبه
وزيوت بترول مع قطران
لم أعد إلا بقايا من زمان ذات يوم كان
لم أعد إلا دماءا ودموعا تجرى ما بين الشطآن
لم أعد أغنى للإنسان
همسات الحنان
فى ليل الأمان
لم أعد أحمل فى بطنى
اللآلئ والقواقع والمرجان
لم أعد الفارس الجبار
أتحدى أي عدوان
لم أعد الخبز والملح والشريان
لم أعد أصارع الإرهاب والبهتان
لم يعد عندى
شموخا , كبرياءا , عنفوان
لم أعد أعرف معنى
الهدوء والإطمئنان
قد غيرونى , حطمونى , قيدونى
شربوا منى ثم لفظونى
أكلوا منى وقد حرمونى
ثم أرغمونى
ثم علمونى الخوف
وبالزيف قد أمرونى
ولم أعد وقد غشيت عيونى
سلبوا منى كل شئ
ضحكى , دمعى , فكرى , رفضى , غضبى , جنونى
جاءوا بوهم كاذب ورمونى
للغش والأقذار باستهتار
ثم حاكمونى
والآن إلى ما قد كان زمان يدعونى
وهذا أشبه بالخيالات
بعدما قد كان
من هموم وهوان وإمتهان
من آهات وأوبئة وأمراض
منكم وبكم ولكم
يا بنى الإنسان
لقد إنتهى ما كان
فى هذا الزمان
أما الآن
أعلنت فى زمنكم هذا
يا بنى الإنسان
كل أنواع الرفض والعصيان
أعلنت العصيان ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق